الانتخابات المبكرة في تركيا- مناورة سياسية أم مخرج للأزمة؟

المؤلف: د. سعيد الحاج10.11.2025
الانتخابات المبكرة في تركيا- مناورة سياسية أم مخرج للأزمة؟

في الآونة الأخيرة، تصاعدت أصوات المعارضة التركية، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، مطالبةً بإجراء انتخابات مبكرة في البلاد، معتبرةً إياها مخرجًا للأزمات الراهنة، لاسيما الاقتصادية منها. في المقابل، يؤكد حزب العدالة والتنمية الحاكم أنه لا يوجد ما يستدعي ذلك، سواء من الناحية الدستورية أو العملية.

المسوغات

تحمل الذاكرة التركية تجارب غير مشجعة مع الانتخابات المبكرة في العقود الماضية. فخلال حقبتي السبعينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، وفي ظل النظام البرلماني، شهدت البلاد سقوط العديد من الحكومات الائتلافية والدعوة لانتخابات مبكرة، لم تكن بمثابة حلول للأزمات المتفاقمة، بل ساهمت في تعميقها وتكريس حالة الجمود السياسي. لذا، كان أحد أبرز المسوغات التي قدمها حزب العدالة والتنمية وتحالف الجمهور عند طرحهما فكرة الانتقال إلى النظام الرئاسي، هو أن ذلك سيضمن الاستقرار السياسي في البلاد، ويقلل من الحاجة إلى تشكيل ائتلافات حكومية، وبالتالي تجنب السيناريوهات المتكررة من الدعوة إلى انتخابات مبكرة.

جرى إقرار النظام الرئاسي في عام 2017، وبدأ تطبيقه الفعلي مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أُجريت في عام 2018. وعلى الرغم من بعض النقاشات التي دارت حول إمكانية تبكير الانتخابات في عام 2023، فقد أُقيمت في موعدها المحدد، مع تقديمها لمدة شهر واحد فقط؛ لاعتبارات تتعلق بفصل الصيف والإجازات السنوية والامتحانات الجامعية، وليس لأسباب سياسية أو اقتصادية.

بعد الانتخابات المحلية التي جرت في مارس/آذار الماضي، والتي شهدت تقدم حزب الشعب الجمهوري على حزب العدالة والتنمية، نفى رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزال، عزمه الدعوة إلى انتخابات مبكرة، مؤكدًا على أهمية الاستقرار السياسي في السنوات القادمة لمعالجة المشاكل التي تواجه البلاد، في خطوة داعمة لخطاب الرئيس أردوغان.

إلا أن حزب الشعب الجمهوري، عاد في الفترة الأخيرة لرفع صوته مجددًا مطالبًا بإجراء انتخابات مبكرة، معتبرًا إياها حلاً منطقيًا وضروريًا لمعالجة بعض المشاكل المستعصية، وفي مقدمتها المشاكل الاقتصادية. ويستند الحزب في طرحه هذا إلى سرديتين أساسيتين: الأولى، أن استمرار النظام الحالي بقيادة الرئيس أردوغان لن يكون قادرًا على تحقيق أي تحسن في الأوضاع الاقتصادية، كونه جزءًا من أسبابها.

والثانية، تفسير نتائج الانتخابات المحلية على أنها رسالة واضحة من الشعب تعبر عن رغبته في تغيير القيادة و/أو النظام السياسي القائم، أي رغبة الشارع في إنهاء حقبة حكم حزب العدالة والتنمية واستبداله بحزب الشعب الجمهوري، وهو ما صرح به العديد من السياسيين المعارضين.

ولا يخفى على أحد أن حزب الشعب الجمهوري يراقب عن كثب بعض الخلافات الكامنة أو المفترضة بين مكونات تحالف الجمهور، أي بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، معتبرًا ذلك نقطة ضعف يمكن استغلالها ضد الرئيس أردوغان.

الاستحقاقات

وعلى الرغم من أن الكثير من التحليلات السياسية في تركيا تُفهم في سياق التنافس السياسي والديناميكية التي تشهدها الحياة السياسية والحزبية في البلاد، إلا أن الدعوة إلى انتخابات مبكرة تستدعي نقاشًا مستقلاً نظرًا لأهميتها وتداعياتها المحتملة. هذا النقاش يجب أن يتناول الجوانب الدستورية والقانونية، بالإضافة إلى الجوانب الواقعية والعملية على حد سواء.

دستوريًا، لا يوجد أي مبرر أو ضرورة ملحة لإجراء انتخابات مبكرة بهدف تجديد شرعية النظام السياسي القائم. فالبلاد تدار بنظام رئاسي لا يتطلب حصول الرئيس على ثقة البرلمان لتشكيل الحكومة، ولا يتيح للبرلمان إمكانية إسقاط الحكومة عبر تصويت بحجب الثقة. وهذا يعني أن تراجع شعبية الأحزاب، وحتى الرئيس نفسه، ليس عاملاً حاسمًا يستدعي البحث عن تجديد الشرعية عبر صناديق الاقتراع قبل انتهاء المدة الدستورية المحددة في عام 2028. وهناك العديد من الأمثلة لدول تحكم بنظام رئاسي أو شبه رئاسي تشهد تراجعًا كبيرًا في شعبية الرئيس دون أن يدفع ذلك بالضرورة إلى تبكير الانتخابات، وذلك حفاظًا على الاستقرار.

دستوريًا أيضًا، لا تملك المعارضة القدرة على فرض إجراء انتخابات مبكرة. فالدستور ينص على أن الدعوة إلى "تجديد الانتخابات" يمكن أن تتم إما من قبل الرئيس أو من قبل البرلمان بتصويت 60% من أعضاء البرلمان (أي 360 نائبًا من أصل 600)، وهو ما لا تستطيع المعارضة تحقيقه بمفردها.

لذا، ونظرًا لعدم امتلاك حزبه القدرة الدستورية والقانونية على فرض إجراء انتخابات مبكرة، دعا أوزال إلى إقرارها عبر البرلمان، متعهدًا بالتصويت لصالح هذا التوجه. وهو ما يتيح للرئيس التركي، وفقًا للدستور، إمكانية الترشح لولاية رئاسية جديدة. وقد صرح أوزال بأن خريف العام المقبل سيكون توقيتًا مناسبًا لاتخاذ هذا القرار، كونه يقع في منتصف المدة الدستورية الحالية.

عمليًا، وبافتراض توافر الإمكانية الدستورية، لا يبدو أن الرئيس أردوغان مهتم بتبكير الانتخابات في الوقت الراهن. فالخطة الاقتصادية التي يقودها وزير المالية محمد شيمشك تحتاج إلى وقت ليس بالقصير لتحقيق النتائج المرجوة. كما أن أجواء الانتخابات تفرض ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد والميزانية، وكذلك على الوضع السياسي والمجتمعي في البلاد، وهو آخر ما يحتاجه المسار الاقتصادي الذي يتطلب الهدوء والاستقرار.

سياسيًا أيضًا، ما زال الحزب الحاكم يعيش تداعيات الانتخابات المحلية ونتائجها. وسيبدأ قريبًا مسار مؤتمره العام الذي سيستمر لعدة أشهر على الأقل، بدءًا من القرى والبلدات، مرورًا بأحياء المدن الكبرى والمدن، وصولًا إلى المؤتمر العام على مستوى البلاد. ومن غير المتوقع أو المنطقي أن يتوجه الحزب إلى انتخابات قبل الانتهاء من ترتيب أوضاعه الداخلية.

وأخيرًا، إذا ما أراد الرئيس أردوغان تبكير الانتخابات (تجديدها وفقًا للمصطلح الدستوري) ليتمكن من الترشح لولاية رئاسية إضافية، فمن المتوقع أن يؤخر ذلك قدر الإمكان، بحيث يستفيد من سنوات الحكم في الولاية الحالية إلى أقصى حد ممكن.

فرص المعارضة

وبافتراض تحقق الشرطين السابقين، أي توافر المقتضى الدستوري واتخاذ القرار العملي، ما هي فرص حزب الشعب الجمهوري عمليًا للوصول إلى السلطة في البلاد عبر انتخابات مبكرة؟

من الضروري بدايةً الإشارة إلى أن تفسير الحزب لنتائج الانتخابات المحلية على أنها تعبير عن رغبة شعبية في استبدال أردوغان ليس دقيقًا. فالانتخابات المحلية تختلف عن الانتخابات الرئاسية. وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات المحلية تضمنت رسائل سياسية واحتجاجية موجهة إلى أردوغان وحزب العدالة والتنمية (وهو ما أقرا به كلاهما)، إلا أنها لا تعني بالضرورة سحب الثقة من الرئيس. والفارق الكبير بين نتائج الانتخابات الرئاسية والمحلية، على الرغم من الفترة الزمنية القصيرة بينهما (أقل من عشرة أشهر مع احتساب موعد انتخابات الإعادة)، يؤكد هذا المعنى.

بالإضافة إلى ذلك، وحتى لو افترضنا أن حزب الشعب الجمهوري أصبح الحزب الأول في البلاد كما يدعي، فإن الانتخابات الرئاسية تظل ذات معادلات وديناميكيات مختلفة، والدليل على ذلك هو الفارق الكبير بين نتيجة أردوغان ونتيجة حزبه، وكذلك نتيجة حزب الشعب الجمهوري ومرشحه للرئاسة كمال كليجدار أوغلو. وإذا أخذنا في الاعتبار تفكك تحالف الشعب المعارض بعد الانتخابات الأخيرة، والمشاكل المعلنة بين أركانه، فإن علامات الاستفهام حول فرص المعارضة تصبح أكثر وجاهة.

بل إن هناك خلافات داخل حزب الشعب الجمهوري نفسه لا يمكن تجاهلها، سواء بين الرئيس الحالي أوزال وتيار الرئيس السابق كليجدار أوغلو الذي أكد على أنه سيبقى "منخرطًا في العمل السياسي وفقًا لمسؤوليته الوطنية"، أو على صعيد المرشحين المحتملين للرئاسة في الانتخابات المقبلة، وتحديدًا رئيسي بلدية إسطنبول وأنقرة أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، واللذين تظهر بينهما بعض الخلافات والحساسيات العلنية في التصريحات والخطابات كما حدث مؤخرًا.

وخلاصة القول، إن دعوة حزب الشعب الجمهوري إلى تبكير الانتخابات اليوم لا تستند إلى رصيد دستوري أو فرص عملية حقيقية. وهي أقرب إلى ممارسة ضغط سياسي على أردوغان وحكومته وحزبه. ومن جهة أخرى، فهي محاولة لترسيخ فكرة أن حزب الشعب الجمهوري أصبح الحزب الأول في البلاد، مقابل تضاؤل شعبية حزب العدالة والتنمية، والاستفادة من ذلك في الساحة السياسية الداخلية.

وهذا ما أشار إليه أحد كبار مستشاري أردوغان ونائب رئيس هيئة السياسات القانونية في الرئاسة، محمد أوتشوم، في مقال مطول له مؤخرًا، إذ اعتبر هذه الدعوة "حملة أيديولوجية للإضرار بأفضلية الاستقرار السياسي" في البلاد، و"محاولة لإبعاد البلاد عن أجندتها الاقتصادية والقانونية الحقيقية" من خلال "خلق جدل مفتعل حول تبكير الانتخابات".

وبناءً على ذلك، فإن فكرة تبكير الانتخابات ليست مطروحة على أجندة الرئيس أردوغان وتركيا في الوقت الراهن. إلا أنها قد تعود إلى دائرة النقاش مع اقتراب نهاية ولايته الرئاسية الحالية، وذلك رغبةً منه في الترشح مجددًا (بقرار من البرلمان) إذا كانت الظروف السياسية والاقتصادية في البلاد تسمح بذلك وتعزز من فرص فوزه. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن التوجه نحو انتخابات مبكرة سيكون بمثابة مغامرة سياسية كبيرة تزيد من فرص المعارضة، بغض النظر عن المسار الدستوري.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة